كرامات الأعضاء الثمانية


لقد كان العلماء السابقون يهتمون بأدق التفاصيل لربط الجسد بالروح وتصفيتها من العوائق التي تؤثر عليها، وذلك حتى يصبح الإنسان صاحب كشف وبصيرة بل كيف يتصل بالعالم العلوي من الملكوت والجبروت، ولكن كان جُل اهتمامهم هو الوصول إلى تحقيق ذلك عبر الكرامة الإلهية مباشرة، بحيث تكون كل الإنفعالات التي تحدث هي بفعل الله عز وجل لهذا العبد الرباني، وقد كتب سيدي محيي الدين بن عربي عن أنواع الكرامات التي تخص كل جزء من أعضاء البدن، والتي قسمها إلى ثمانية أعضاء، وهذا مختصر ( بتصرف قليل ) لما جاء في أحد الكتب، وقد قسم الكرامات التي تصدر عن الأعضاء الثمانية بمناسبة الطاعات التي تصدر عنها كما يلي :-

١- ( العين )

من كرامتها إذا استعملت في الطاعات وجنبت المخالفات المناسبة لها، رؤية الزائر قبل قدومه على  مسافة بعيدة، أو خلف حجاب كثيف، , ورؤية الكعبة عند الصلاة حتى يتوجه إليها وما أشبه هذا. و من كرامتها مشاهدة العالم الملكوتي الروحاني والترابي من الملائكة والملأ الأعلى والجن , والخضر عليه السلام والأبدال .

٢- ( الأذن )

من كرامتها إذا استعملت في الطاعات وجنبت المخالفات المناسبة لها، إثبات البشرى له بأنه من أهل الهداية والعقل عن الله عز وجل , وهي الكرامة الكبرى، قال تعالى : فبشر عباد الذىن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. الآية . ومن كراماتها سماعها نطق الجمادات. فإذا تحقق به تطرأ عليه حالة لا يشاهد فيها شيئاً من الوجود إلا مُسبحاً بلسان ناطق كنطق زيد وعمرو .

٣- ( اللسان )

من كرامته إذا استعمل في الطاعات وجنب المخالفات التى تناسبه مكالمته للعالم الأعلى ومحادثته لهم ، فإن العبد قد يتحقق بالسماع، فيكون ممن يُنادى ويُهتف به، فإذا كلم لا يُرد عليه , فإذا صحت المكالمة بينه وبينهم وتنازعوا الحديث، فما كان من حديثه لهم فمن تحققه بلسانه ما كان من حديثهم له فمن جهة تحققه بأذنه، وما كان من مشاهدته لهم فمن جهة تحققه ببصره، وهكذا جميع الأعضاء المذكورة ، وذلك للمناسبة التى بينهم.

ومن كرامته أيضا نطقه با لكون قبل أن يكون ، والإخبار بالغيبات والكائنات قبل حصول أعيانها فى الوجود.


٤- ( اليد )

من كرامتها إذا استعملت في الطاعات وجنبت المخالفات المناسبة لها، إدخال يده فى جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، كان هذا لموسى عليه السلام. ونبع الماء من بين الأصابع، كان هذا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.  ورمى التراب فى وجوه الأعداء فانهزموا. وقبض مما شاء الله من الأولياء فى الهواء فيفتح يده عن فضة وذهب إلى أمثال ذلك.


٥- ( البطن )

من كراماته التي لا يدخلها مكر ولا استدراج، إذا استعمل في الطاعات وجنب المخالفات المناسبة له، أن يحفظ عليه طعامه وشرابه ولباسه بعلامة يلقيها الله عز وجل له،  إما في نفسه، أوفى نفس الشيئ الذي قامت به صفة الحرام أو الشبهة، حتى لا يتناول شيئاً إلا طيباً، كما ذكر عن الحارث المحاسبى رضى الله عنه. كان إذا قدم له طعام فيه شبهة ضرب عرق على أصبعه،  زكأم أبى يزيد البسطامى رضى الله عنهما مادامت حاملا بأبى يزيد ما تمد يدها إلى طعام حرام، وآخر ينادى يقال له تورع، وآخر يأخذه الغشيان، وآخر يصير الطعام أمامه دما، وآخر يرى عليه سوادا، وآخريزاه خنزيرا إلى أمثال هذه العلامات التى خص الله بها أولياءه وأصفياءه.
 ومن كراماته أن يشبع القليل من الطعام الرهط الكثير ، وهذا ميراث نبوى من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بسط النطع وجاءه ذوالبرّ برة وذوالنوى بنواة حتى اجتمع من ذلك شىء يسير ، فدعا فيها بالبركة، ثم أخذ الناس فى أوعيتهم حتى ملؤها، كما جاء الحديث فى صحيح مسلم.
 ومن كراماته أيضا أن ينقلب اللون الواحد الذى في الصحن أنواعا من الطعام فى حاسة الأكل إن اشتهاه بعض الحاضرين،
ومن كراماته أيضا أن يأتي لصاحب هذا المقام الجن أو الملك بغذائه من طعامه وشرابه ولباسه، أو يُعلق له فى الهواء

ومن كرامات هذا المقام أيضا شرب الماء الزعاق والأجاج عذباً فراتاً . قال سيدى محي الدين : شربته من يدى أبى محمد عبدالله ابن الأستاذ المروزى الحاج، من خواص طلبة الشيخ العارف أبى مدين رضى الله عنهما، وكان يسميه الحاج المبرور، وتحقيق هذا أن من تحقق فى هذا المقام من الغذاء الحلال إما بالكسب أو يورع التوحيد الذى قال فيه المشايخ: العارف من لايطفئ نور معرفته نور ورعه، فإذا حصل الحلال فالتقليل منه، فإذا تحقق بذلك نشأت فى باطنه همة فعالة قاضية، يوجدها الله تعالى فى نفسى هذا العبد كرامة له وتصحيحا لمقامه وصدقه، وعن تلك الهمة يصدر جميع ما ذكرناه وأمثاله، وكرامات أخر مما لم يخطر للعبد فيها خاطر.


٦- ( الفرج )

من كراماته إذا اتصف بالطاعات وترك المخالفات المناسبة له أن يهبه الله تعالى سر إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وترك كل ما يشغل عن الله تعالى، قال تعالى: ومريم ابنة  عمران التى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين. وقد ذكر رضى الله عنه فى ذلك مناسبات أخرى دقيقة، وحكما وأسرارا من علم الحقيقة
 
٧- (القدم)

من كراماته إذا اتصف بفعل الطاعات وترك المخالفات المناسبة له المشي على الماء،  وطى الأرض، والمشي فى الهواء، والحكايات فى هذا المقام أشهر من أن تذكر، فلم نحتج إلى ذكرها هنا لشهرتها، ولأن الدواوين ملئت منها، فإن الله تعالى أولياء يفعل معهم هذا كله. قال سيدي محيي الدين بن عربي :- وقد رأينا من أهل هذه الطريقة عالماً كثيراً ممن مشى على الماء والهواء وطويت له الأرض عياناً .


٨- ( القلب )

من كراماته إذا اتصف بالطاعات وترك المخالفات التى تناسبه معرفته بالكون قبل أن يكون، قال سيدى محى الدين: اعلم يابنى وفقك الله تعالى ونور قلبك، وشرح صدرك، وطهر ثوبك ، ونزه سرك، أن كل كرامة ومنزل ذكرناه فيما تقدم للأعضاء فإنما ذلك كله راجع إلى القلب وعائد عليه، ولولاه لم يكن من ذلك شىء لتلك الأعضاء، فإن كل عمل صدر عنها إن لم يؤيده الإخلاص الذى هو عمل القلب وإلا فذلك العمل هباء منثورا،  لايصح  له نتيجة أصلا، ولايورث سعادة، فإن الله تعالى يقول : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين.  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، فتبين بهذا أن الأعمال الظاهرة والباطنة كلها يزكيها عمل القلب أو يجرحها ، فليس للأعضاء إذن حركة ولا سكون فى طاعة شرعية ولامعصية إلا عن أمر القلب وإرادته، فإن أول ما ينبعث الخاطر فى القلب، فإذا تحقق وعزم على إمضائه نظر إلى الجارحة المختصة بعمل ذلك الخاطر الذى قام به، فيحركها بعمل ذلك الخاطر، إما طاعة وإما معصية ، وعليها يقع الثواب أو العقاب ، ألا ترى كيف جعل الله تعالى النظرة الأولى التى هي من غير قصد، ولا للقلب فيها نية توجه معفوا عنها غير مؤاخذ بها ؟ وكذلك فى النسيان إذا عمل العبد عملا من الأعمال ناسيا غير قاصد لذلك العمل، فالله تعالى قد عفا عنه فى ذلك العمل، كما أنه أيضا إن أراد القلب وهم بمعصية مالم يكن إصرارا لايكتب عليه ولايحاسب به مالم يعمل به أو يتكلم، هذا فى المعاصى. وأما فى الطاعات فمأجور بنيته وهمته، وإن لم يعمل المعصية التى همّ بها كتبت حسنه، فإذا تقرر هذا فقد ثبت أن القلب رئيس البدن، وأن جميع الكرامات التى جعلناها للأعضاء هى راجعة إليه، وله كرامات أخرى مختصة به.
ومن كراماته: إطلاع الحق سبحانه له على ما أودع فى العالم الأكبر من الأسرار ، ومنها أن يطلعه الله تعالى على العلة والسبب الذى  لأجله وجد أمرما ، أو عن أى كون كان من الأكوان فى العالم، روحانيا أو غير روحانى على الجملة، وغير ذلك مما ذكره سيدى محيى الدين فى كتابه المذكور.


Tidak ada komentar:

Posting Komentar